تصميم: المنصة

قصة الساعات الأخيرة من حياة أيمن هدهود في العباسية

منشور الاثنين 18 أبريل 2022

في حوالي الثامنة والنصف من مساء السبت 5 مارس/ آذار الماضي، بداخل عنبر (ب) بقسم الطب الشرعي في مستشفى العباسية للصحة النفسية، تأكدت الطبيبة الشابة المناوبة في تلك الليلة، من وفاة المريض أيمن هدهود. 

خلال الأيام الثلاثة التي سبقت الوفاة، تدهورت حالة أيمن بشكل متسارع، وفقًا لطبيب مطلع على تفاصيل حالته، أكد أنه خلال هذه الفترة لم يتلقَّ الرعاية الطبية المناسبة "آخر تلات أيام فيهم كان تعبان، التمريض ماقالش حاجة. الدكاترة المناوبين اللي قبلها بيوم محدش فيهم عرف إن آخر تلات أيام كان تعبان".

ومع حلول الرابعة من مساء يوم السبت 5 مارس، وعندما بدأت الحالة تتدهور بشدّة، استدعيت الطبيبة الشابة المناوبة بالمستشفى لقسم الطب الشرعي حيث يُحتَجز المحالون إلى المستشفى من النيابة العامة. 

عند استدعاء الطبيبة الشابة، كان الباحث الاقتصادي البالغ من العمر 48 سنة* يعاني من ضعفٍ في درجة الوعي، وارتفاعٍ في درجة الحرارة، وانخفاضٍ في ضغط الدم، وصعوبةٍ في التنفس. عندها، بدأت الطبيبة المناوبة، وهي طبيبة مقيمة نفسية وعصبية، في التعامل مع الموقف وحدها. 

لم تجد الطبيبة الشابة أي توصيات أو ملاحظات في ملف المريض من أطباء باطنة قد يكون سبق عرضه عليهم بشأن التعامل مع حالته، فتواصلت مع أحد استشاري الباطنة الذين يعملون في المستشفى عبر الهاتف، وتبادلا عدة رسائل صوتية على واتساب، حصلت المنصة على نسخة منها.

في هذه التسجيلات، تخبر الطبيبة الشابة استشاري الباطنة بتفاصيل تدهور الحالة، مع تساؤل حول مدى إمكانية نقله إلى مستشفى الدمرداش، ليتلقى العلاج المناسب في مكان أكثر تجهيزًا للتعامل مع حالته وعلى يد متخصصين أكثر خبرة "أطلع بيه إسعاف ولا أعمل إيه؟". لكنَّ هذا المقترح، فضلًا عن أنه جاء متأخرًا، فقد اصطدم بإجراءات مطولة لأن "الحالة" المحتجزة في قسم الطب الشرعي محالة من النيابة العامة، ما يعني أنه في حكم المحبوس احتياطيًا. وهو ما أوضحه استشاري الباطنة في رده على الطبيبة "أيوة يا ستي. هو العيان دا في الشرعي، مش هنقدر نطلعه من الشرعي، لكن نقدر نحطه في مكان لوحده بدل ما يعدي بقية الناس. ثانيًا هاكتب لحضرتك علاج تنفذيه مع المحاليل". 

يحتل قسم الطب الشرعي مبنىً مستقلًا مكونًا من طابق واحد في حرم مستشفى العباسية للصحة النفسية، به عدة زنازين بداخلها حوالي 56 مصطبة إسمنتية في قسم الرجال، تعلوها مراتب وأغطية. أغلب زنازين القسم مخصصة لاحتجاز المرضى جماعيًا، باستثناء اثنتين للحجز الانفرادي. وبشكلٍ عام، لا يسمح للمحبوسين في القسم بالتريّض. 

وبخلاف الزنازين، يضم القسم أماكن مخصصة لقوة الشرطة التي تتولى حراسة المرضى المحتجزين، وأخرى لطواقم التمريض التي تتابع حالتهم الصحية. والقسم المزود بكاميرات مراقبة تستخدم في رصد سلوك المرضى، معزول عن باقي المستشفى. يقول الطبيب السابق بالمستشفى "لم يكن مسموحًا لنا بالمرور والمتابعة مثل باقي أقسام المستشفى. ولا بالاطلاع على الملفات الطبية للمتوفين باعتبار ملفاتهم خاصة بالنيابة فقط".

ظن استشاري الباطنة أن الحالة مصابة بفيروس كورونا، فأرشد الطبيبة لقياس نسبة الأوكسجين في الدم. وأضاف في الرسالة الصوتية "كدا إحنا مش hysterical [هستيريا]، دي حالة infection [عدوى]. دا loss of appetite [فقدان شهية]. الـ oximeter [جهاز قياس نسبة الأوكسجين في الدم] موجود في قسم العزل حريم جنبك، جنب الشرعي. دا لو حبيتي تقيسي الأوكسجين. لكن دلوقتي هتروحي قسم العزل [عزل المصابين بفيروس كورونا] لأن دوا الفيروس [كورونا] بناخده من قسم العزل. تمام؟".

في رسالة تالية، يصف الاستشاري الأدوية التي يتعين إعطاءها لأيمن "بصي يا دكتورة الحاجات دي كلها موجودة في صيدلية الطوارئ. سيفترياكسون 1 جرام هتكتبيه كل 12 ساعة لمدة تلات أيام. بك ميرز دا موجود في الصيدلية اللي هو المادة أمانتدين أنتيفايرال بيشتغل بيه. موجود في قسم العزل. يعني ممكن بس يروح قسم العزل ياخد منهم قرصين أو أربع أقراص عشان جرعة الصبح برضه بحيث نبتدي العلاج. وبعد كدا يصرف. فكريهم يتصلوا بيّا الصبح عشان أقدر أشوفه ونكتب العلاج بتاعه. كليكسان برضه موجود. هندِّي واحدة تحت الجلد يوميًا لمدة يومين، ديكساميثازون حقنة واحدة دلوقتي لغاية ما نقدر نقيّم العيان بكرة". 

تصميم: المنصة

"نشيل اللي إحنا عملناه"

لم تجد الطبيبة الشابة كل الأدوية فعادت تسأل استشاري الباطنة "أنا خلاص كتبت اللي حضرتك قلته بس السيفترياكسون مفيش سيفترياكسون فيه ألترا سيلين اللي هو يوناسين 1.5 جرام. فتمام ولا إيه؟ والبك ميرز هم مش عارفين يجيبوه. إحنا بنجيب بس الأوكسيميتر دلوقتي نقيس الأوكسجين وهقوله لحضرتك".

كانت حالة أيمن متأخرة ولن تشهد "بكرة" الذي تحدث عنه كلاهما؛ ميزان الحرارة يشير بثبات إلى 38 درجة مئوية، والضغط ما زال منخفضًا، بينما تراوحت نسبة الأكسجين في دمه بين 70 إلى 95 (المعدل الطبيعي من 75 إلى 100). وتدهور وعي أيمن بشكل شبه كامل، وصاحبت أنفاسه حشرجة مسموعة. 

في الرسالة التالية جاء صوت الطبيبة الشابة مرتعشًا وأنفاسها قصيرة متلاحقة "نطلع الأول الدمرداش نعمل CT brain [أشعة مقطعية على المخ] نتأكد أن هو مفيهوش حاجة عشان هو مش فايق معانا؟ والصراحة إحنا خلصنا أول محلول كدا وهو لسة مفاقش. تمام؟ وبعدين لو مفيش حاجة ساعتها يرجع ويكمل علاج. فأنا هطلع دلوقتي الدمرداش. تمام؟ هو أنا معنديش مشكلة ان أنا أطلع لأن هو فعلا مش.. (تأخذ نفسًا بصعوبة) هو لسة لغاية دلوقتي مداش أي response [استجابة] وكدا محدش شافه يعني غيري بردو. فعشان خاطر يبقى فيه دكتور باطنة أحسن شافه. تمام؟ أطلع الدمرداش؟". 

من التسجيلات يبدو أن الشرطة كانت مستعدة لنقله من العباسية إلى مستشفىً آخر "هم هناك في الشرعي دلوقتي من ساعة ما طلبوني أول مرة الساعة 4 كان جايبين قوة عشان تطلع بيه. فالقوة لسة موجودة. هم بيقولولي عشان خاطر لو هطلع بيه يطلعوا. لو مش هيطلعوا ساعتها ممكن الموضوع يتأخر لو طلبت إن إحنا نطلع بيه بعد كدا. فأطلع بيه دلوقتي أحسن عشان دكتور يشوفه؟ ويبقى برضه إحنا عملنا اللي علينا، بالنسبة يبقي اتكتب في الـ file [الملف] إن إحنا رحنا بيه إسعاف؟".

وفي هذه الرسالة الصوتية يأتي صوت الطبيبة يائسًا "هو دلوقتي أوكسجينه بالنسبة للـ pulse [النبض] معظم الوقت 94. ساعات بينزل سبعينات وتمانينات وبعدين بيطلع تاني في نفس الدقيقة. معرفش دا غلط في الـ pulse ولا إيه. بس هو نَفَسه بقى عالي وبيعمل صوت. عديت respiratory rate [معدل التنفس] مش عالي بس هو نَفَسه... يعني بيعمل صوت جامد في النَفَس. والـ neck vein [وريد الرقبة] شبه congested [اشتباه احتقان]. أنا كلمت الشرطة والقوة بتاعتها جات. كلمت الإسعاف تلات مرات ولغاية دلوقتي لسة مجاتش. فهل فيه حاجة ممكن أديهاله قبل ما نطلع؟".

يرد الاستشاري "يعني إحنا برضه ما زلنا في إن هو infection [عدوى] ولا هو فيه حاجة فيه؟ يعني برضه لو تقدري تعملي بابنسكي ع الرجلين الاتنين [تمرير أداة معدنية على باطن القدم] تجري مفتاح كدا وتشوفي إذا الصباع الكبير عمل extension [تمدد] يبقي دا بابنسكي بوزيتيف. يبقي ممكن يكون فيه hemorrhage [نزيف] أو infarction [جلطة] أو.. أو أي حاجة، في الناحيتين. دا بالنسبة لو إنتي مع المريض وتقدري تعملي حاجة زي كدا. ممكن ندي أمبول لازكس، الهدف منه إيه؟ أول حاجة نشيل اللي إحنا عملناه، الكورتيزون والـ salt and water pressure [ضغط] والـ fluid [السوائل]، والـ lung [الرئة] نفسها بتبقى congested [محتقنة] لو إحنا بنتعامل مع بداية pneumonia [التهاب رئوي]، كوفيد viral أي حاجة. فدا هيبقي ليه أثر برضه، وممكن ندي برفالجان نسكت الحرارة دي. دا اللي نقدر نعمله دلوقتي. طبعًا فيه أوكسجين. معرفش طبعا قسم الشرعي فيه أسطوانة ولا لأ. الأسطوانات برضه في العزل اتنين لو الموقف تدهور منك". 

ولكنَّ موعد إنقاذ أيمن هدهود كان قد فات تمامًا.

قصة مليئة بالمخالفات

منذ اختفاء أيمن هدهود مساء الخامس من فبراير/ شباط الماضي، لف الغموض كل شيء يخصّه؛ بدءًا من مكان احتجازه بعد القبض عليه، مرورًا بطبيعة المعاملة التي تعرّض لها، وتاريخ احتجازه في مستشفى العباسية، ومدى سلامة إجراءات إيداعه في المستشفى، انتهاءً بأسباب إخفاء مكانه عن أسرته وفريق دفاعه حيا وميتا، وسبب ترك جثمانه يتعفن في ثلاجة المستشفى لنحو خمسة أسابيع.

فوفقًا لحديث أشقائه مع المنصة في وقت سابق، غادر أيمن إلى منزله بعد أن تناول عشاءه الأخير مع أخيه عمر يوم 5 فبراير. في اليوم التالي كان هاتفه مغلقًا، وفي اليوم الرابع جاء أحد رجال الأمن إلى منزل أسرته في مدينة نصر وأخبر إخوته أنه في مقر الأمن الوطني في الأميرية، وفي 16 فبراير قيل للأسرة عن طريق وسطاء إن أخاهم مودع في مستشفى العباسية، وفي 17 فبراير أنكر المستشفى للأسرة وجوده، ولكن مديره حاتم ناجي اعترف يوم 23 فبراير لـ "وسيط بين العائلة والأمن"، وفقًا لتقرير منظمة العفو الدولية، أن أيمن في المستشفى بالفعل.

من جانب آخر، قالت فاطمة سراج، محامية أسرة أيمن، إن النيابة العامة أخبرت أشقاءه أثناء سماع أقوالهم إنها أمرت بإيداعه مستشفى العباسية يوم 7 فبراير، لكنه مع ذلك ظل محتجزًا في قسم شرطة قصر النيل، ولم يدخل المستشفى حتى يوم 14 من الشهر نفسه، دون أن تقدم تفسيرًا لأسباب تأخر تنفيذ أمرها سبعة أيام كاملة.

وصل أيمن مستشفى العباسية بين الساعة الواحدة والثانية ظهرًا وفقًا لمصادر متعددة من داخل المستشفى، أكدت كذلك أنه لم يخضع لكشف الباطنة عند إدخاله بحسب بروتوكول احتجاز المرضى في المستشفيات النفسية. 

تحدثت المنصة إلى ثلاثة مصادر من مستشفى العباسية أكدوا جميعًا أن أيمن لم يخضع لفحص الباطنة المطلوب قبل احتجازه "دخل الساعة 1 الضهر وكان محطوط في العربية، منزلش يروح الاستقبال علشان يتشاف باطنة ويخش جوة. منزلش العيان، وقام رايح ع الشرعي على طول. الشرعي مرضاش ياخده، حاتم بلغهم إن هم لازم ياخدوه. ودخلوه. ما اتعرضش باطنة"، وفقًا للمصدر الأول وهو طبيبة بالمستشفى.

المصدر الثاني وهو الطبيب المطلع على تفاصيل الحالة أكد هذه الرواية "دخل الشرعي من غير ما الباطنة تشوفه. دخل ع القسم على طول ومحدش شافه في الاستقبال" قبل أن يتابع "حاتم قال الكلمة كلمتي والكلمة دي سمعتها منه كتير وياما عيانين دخلوا". المصدر الثالث وهو من أفراد الطاقم الإداري بالمستشفى أكد هذه الرواية وذكر أن أيمن وصل بين الساعة 1 و2 ظهرًا ولم يخضع لكشف الباطنة. 

تشير المصادر إلى مسؤولية حاتم ناجي حمادة، مدير المستشفى الذي تولى إدارته في منتصف 2020، في إصدار الأوامر بتجاوز إجراءات الدخول، ليس في حالة أيمن فقط، ولكن بشكل خاص مع المحالين من الشرطة والنيابة. وكان حاتم منذ 2008 وحتى 2016 يشغل منصب مدير وحدة الطب الشرعي بمستشفى العباسية الذي توفي فيه أيمن، قبل نقله إلى إدارة التفتيش الفني بالأمانة العامة، التي عاد منها للعباسية مرة أخرى مديرًا عامًا.

وتكمن أهمية عرض المحالين للمستشفى على أطباء الباطنة قبل دخولهم أقسام المستشفى المختلفة، في التأكد من جاهزيتهم جسمانيًا للاحتجاز. يفسر الطبيب "لو حد عنده فشل كلوي أو كبدي هيموت عندي مش هقدر أتعامل معاه". 

يستند الأطباء في تمسكهم بالكشف الباطني للمرضى قبل دخولهم أيا كانت الجهة المحالين منها إلى وثيقة دليل الإجراءات العلاجية، الصادرة عن الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، التابعة لوزارة الصحة. تشير الوثيقة إلى أنه في حالات الاحتجاز داخل مستشفىً نفسيٍّ، ينبغي "تقييم وفحص المريض عضويًا والتأكد من عدم وجود عرضٍ عضويٍّ جسيم لديه يستلزم علاجه الفوري بالمستشفيات العامة قبل إتمام إجراءات الدخول".

بروتوكول الدخول إلى مستشفيات الصحة النفسية الواردة في دليل الإجراءات العلاجية الصادر عن الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان

تزداد أهمية الفحص الباطني مع الحالات المحالة من النيابة لقسم الطب الشرعي، أو من الشرطة، لأنهم غالبًا ما يتعرضون للضرب أثناء الاحتجاز في أقسام الشرطة ومقار الأمن الوطني قبل وصولهم المستشفى. 

ويوضح عضو نقابة الأطباء المصريين الدكتور أحمد حسين، وهو عضو مجلس إدارة سابق في مستشفى العباسية، أن هذا تقليد مستقر في المستشفيات النفسية "لما بييجي عيان محتاج يتحجز، قبل ما يدخل العنبر لازم يتعرض على أطباء الباطنة يشوفوا لو فيه أمراض باطنية شديدة أو كسور لازم تتعالج ومعندناش إمكانيات تتعالج، لازم يروح مستشفى عام الأول". ذلك أن مستشفيات الصحة النفسية غير مجهزة بالإمكانيات اللازمة للتعامل مع الحالات التي تتطلب تدخلًا طبيًا يفوق إمكانيات مستشفى نفسي.

وبالإضافة إلى المصادر الثلاثة التي أكدت للمنصة أن أيمن لم يُعرض على أطباء الباطنة لدى إيداعه مستشفى العباسية، فإن سياق الرسائل المتبادلة بين الطبيبة الشابة المناوبة واستشاري الباطنة خلال الساعات الأخيرة من حياة أيمن، يكشف ارتباكًا كبيرًا في تشخيص حالة المريض.

يعزز غياب المعلومات الخاصة بالتاريخ الطبي للحالة منذ دخولها المستشفى، صدقية تصريحات المصادر بأنه لم يُعرض على أطباء الباطنة عند احتجازه في المستشفى أو في الأيام التالية. لاحقًا، يفسر استشاري الباطنة أسباب الوفاة بقوله "واضح إنه مركز التنفس في المخ كان مضغوط عليه. واضح إن العيان دا كان مضروب على دماغه حتى لو مفيش كسر. فيه زي تجمع دموي أو نزيف في المخ. دا سبب الهبوط في ضغط الدم اللي كان موجود، والهذيان، أو التشوش اللي كان موجود عند العيان في اليومين تلاتة" التي سبقت وفاته، قبل أن يضيف "أنا مش بلوم دكتورة صغيرة زي كدا لكن بلوم اللي دخلوه واللي سابوه يومين تلاتة مستدعوش حد من بتوع الباطنة. ما فيه دكاترة باطنة أخصائيين موجودين طول اليوم (..) هو ما استدعاش".

ويشرح الطبيب المطلع على تفاصيل الحالة أن الطبيبة الشابة "ما كانتش فاهمة فيه إيه. حاولوا يدوه محلول ومكانش بيستجيب ليه خالص، كلموا الحراسة والحراسة جات بس الإسعاف مجاش، كلمت استشاري الباطنة، قالتله ع الوضع فمشيت في سكة مضاد حيوي".

تواصلت المنصة مع الدكتور محمد عز العرب، استشاري أمراض الباطنة والكبد، من أجل توضيح آثار الأدوية التي حصل عليها أيمن في ساعاته الأخيرة، أخذًا في الاعتبار الاشتباه بإصابته بنزيف داخلي، فقال "في مثل تلك الأمور يتدخل الطب الشرعي بأمر من النيابة، ويجب ألا نستبق التحقيق"، لكنه استدرك بالتأكيد على أنه وبشكل عام "في حالات النزيف لا يتم إعطاء كليكسان للمريض فهو دواء سيولة". 

وحقن كليكسان التي أوصى الاستشاري بإعطائها لأيمن ضمن الأدوية المدرجة في بروتوكول علاج فيروس كورونا، تستخدم لمنع تخثر الدم، وهي بالتبعية تتسبب في سيولته. وطبقًا لنشرته الداخلية فإن من موانع استخدامه "وجود نزيف نشط وارتفاع خطر الإصابة بنزيف غير متحكم فيه، على سبيل المثال، إصابة الفرد باضطراب تخثر الدم المسمى بالناعور".

ويتفق الطبيب المطلع على تفاصيل الحالة في الإشارة لوجود إهمال "ما نعرفه عن الحالة من أعراض وقت الوفاة يقول إن الوفاة حدثت بسبب عضوي، وهذا لا يظهر في يوم وليلة. بالتأكيد كانت هناك مؤشرات في الأيام السابقة على الوفاة ولم يتم التعامل معها".

أما من ناحية التشخيص النفسي، فجاء في بيان النيابة العامة أن اثنين من أعضاء اللجنة الثلاثية قاما بفحص أيمن وتشخيصه مصابًا بالفصام. يعلق استشاري الطب النفسي الدكتور إيهاب الخراط "تشخيص مرض الفصام يحتاج إلى استمرار الأعراض 6 شهور، وما قبل ذلك يسمى اضطراب شبيه بالفصام"، لافتًا إلى أن "تشخيص الفصام يقوم على وجود مجموعات واضحة من الأعراض، مثل وجود ضلالات أي أفكار خاطئة ثابتة لا تتوافق مع الخلفية الثقافية للمريض، ولا تتغير بالمنطق أو الواقع، وممكن أن تكون غرائبية". 

ويستبعد الخراط أن يؤدي تدهور الحالة النفسية وتأثيرها في درجة الوعي إلى الوفاة، قائلًا للمنصة "حدوث الوفاة بسبب الحالة النفسية مستبعد إلا في حالات قليلة ونادرة تسمى الفصام التخشبي، وفيها يفقد المريض القدرة على الحركة تمامًا، وكذلك على تناول الأكل والشرب، أو وجود حالات نادرة من الضلالات بأن كل الطعام مسموم، فيرفض تناوله، لافتًا إلى أنه حتى في مثل تلك الحالات من الممكن التدخل وإنقاذ المريض عبر المحاليل أو أنبوبة الطعام".

أطباء في مواجهة الداخلية

في رسالة صوتية موجهة لإدارات المستشفيات التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، حصلت المنصة على نسخة منها، تقول الدكتورة منن عبد المقصود، مدير عام الأمانة العامة، بصوتٍ قويٍّ وحازم "إيه يا جماعة؟ معلش دلوقتي بيدخل عندنا مش مرضى نفسيين بيدخلوا المستشفيات. بأي حق يا جماعة؟ بأي حق؟ السلطة المختصة بتاعت حضراتكم ما أمرتش بدا. مفيش حد له سلطة عليكم غير وزارة الصحة ومن بعدها الأمانة العامة للصحة النفسية. محدش يحجز إنسان ليس مريضًا في مستشفياتنا. إحنا الأسرّة مش ببلاش".

لا يتضح سياق التسجيل الذي أرسل إلى إدارات المستشفيات الأسبوع الماضي، بعد إعلان وفاة أيمن هدهود. ولكن الدكتور أحمد حسين يشير الى زيادة عدد الحالات المحالة من الشرطة إلى المستشفيات النفسية بشكل عام خلال الأسابيع الستة الأخيرة "حصلت هجمة على المستشفيات. الشرطة بتطلع مأموريات تلم الناس من الشوارع، و90% من الحالات بتكون مش محتاجة تتحجز. لكن بعض مديرين المستشفيات كانوا يقومون بادخال من لا تستدعي حالتهم الدخول خوفًا من الشرطة، مما يؤثر على قدرة المستشفيات على تقديم الخدمة الطبية لمن يحتاجونها فعلا". 

الطبيب المطلع ذكر تفاصيل مشابهة شهدها بنفسه في مستشفى العباسية "يصر مدير المستشفى على دخول الحالات المحولة من جهات أمنية. وكانت هناك حالات سابقة رفض التمريض والأطباء دخولها لعدم استيفاء الإجراءات ولكن المدير مسح بالعاملين الأرض ودخلهم فعلًا. ودا خلى القدرة على تحدي قراراته أصعب وبقى تجاوز الإجراءات وضع مكرر".

وتوضح الطبيبة التي تعمل حاليًا في مستشفى العباسية أنها شهدت بنفسها محاولات رجال شرطة إيداع أشخاص تم التحفظ عليهم بشكل عشوائي من الشوارع بعضهم بلا مأوى وبعضهم الآخر كان يسير في أماكن "حساسة شوية زي اللي بيجيبوهم من جنب قصر الاتحادية الرئاسي في ضاحية مصر الجديدة. 

تضيف الطبيبة في حديثها إلى المنصة "قبل كدا كنت برفض استقبالهم. دي ناس مش مصابة بأي أعراض نفسية ييجوا يعملوا عندي إيه؟". ولكنها توضح أنه ومنذ تولي حاتم ناجي مسؤولية إدارة المستشفى أصبح الأطباء شبه مجبرين على إيداع كل من يأتي بهم رجال الشرطة.

في بعض الأحيان يكون الدافع خلف قبول إيداع القادمين إلى المستشفى بمعرفة الشرطة إنسانيًا، وفقًا للطبيبة نفسها "مرة أمين الشرطة قالي يا دكتورة الراجل دا لو رجعت بيه القسم هيفضل جوة مش هيشوف الشمس تاني، إحنا عارفين إنكم بتخرجوهم بكرة ولا حتى بالليل، خديه لمصلحته". تضيف معلقة للمنصة "يعني أنا مش فاهمة دلوقتي يا إما يفضل محبوس يا إما آخده عندي؟".

لم تكن رسالة عبد المقصود موجهةً إلى مستشفى العباسية وحده، بل لجميع المستشفيات النفسية التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان وعددها 18 مستشفىً في أنحاء الجمهورية. ومن الواضح أن هذه الرسالة شجعت مديري المستشفيات النفسية المختلفة على رفض إدخال الحالات التي لا تبدو عليها أعراض نفسية.

حصلت المنصة على وثيقتين من مستشفيين تابعين للأمانة العامة للصحة النفسية أحدهما في طنطا والآخر في طلخا، تبين عدد المحالين خلال الفترة من 10 إلى 17 إبريل/ نيسان الجاري، من النيابات العامة أو أقسام الشرطة، وأسماءهم باستثناء المجهولين منهم، والجهات التي أحالتهم، وتشخيصهم المبدئي، وأعداد من احتجزوا بالفعل وأعداد من رفض المستشفيان احتجازهم. 

وبحسب خطاب مدير مستشفى الصحة النفسية بطنطا إلى الأمانة العامة للصحة النفسية يتضمن "إحصائية المرضى المحولين من أقسام الشرطة والنيابات العامة بنطاق مستشفى الصحة النفسية وعلاج الإدمان بطنطا اعتبارًا من 10/4/2022 وحتى 17/4/2022"، فقد أحيل إلى هذا المستشفى 25 حالة، أحدهم فقط قادم من نيابة قسم ثاني طنطا والبقية كلهم من أقسام شرطة. ومن بين المحالين الـ 24 من الشرطة هناك شخص مجهول الهوية. 

ويوضح الخطاب أن 14 شخصًا من بين الـ 24 المحالين من الشرطة، لا توجد لديهم أعراض نفسية وبالتالي رفض احتجازهم.

الخطاب الثاني وهو موجه من مدير مستشفى الصحة النفسية بالدقهلية (الدميرة) إلى الإدارة العامة، يرصد "أعداد المحولين للمستشفى بقرار النيابة العامة للمستشفى طرفنا وما تم حيالهم". وهو وثيقة من أربع صفحات، تضم قائمة بأسماء 97 شخصًا أحيلوا إلى المستشفى في الفترة من 11/4/2022 إلى 17/4/2022، جميعهم معلومي الهوية. 

من بين هؤلاء الأشخاص 56 حالتهم "لا تستدعي الحجز"، أما البقية، فثمانية فقط تم احتجازهم بالفعل في المستشفى، و33 دُوِّنت إلى جوار أسمائهم عبارة "يستدعي الحجز".

"لن نكون مقبرتهم"

حاولت المنصة التواصل مع كل من الدكتور حاتم ناجي مدير مستشفى العباسية، والدكتورة منن عبد المقصود مدير عام الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، من أجل منحهما حق الرد. وبينما لم يرد الأول على مكالمات ورسائل المنصة حتى نشر هذه القصة، رفضت الثانية التعليق وطلبت من المنصة التواصل مع المجلس القومي للصحة النفسية. 

يعتبر العاملون في المستشفى تجاوزات وتجبّر جهاز الشرطة أمورًا متوقعة ولكنهم يعولون على وزارة الصحة والأمانة العامة "الداخلية طول عمرها بتعمل كدا وهتفضل تعمل كدا، لكن إن الباب يبقى مفتوح لأن المستشفيات النفسية تبقى المقبرة بتاعتهم وهم يغسلوا أيديهم لأ. دي حاجة مبتحصلش إلا لما الإدارة تسمح بيها. يجب أن تتحمل الإدارة مسؤولية ما حدث"، تقول الطبيبة التي تحدثت إليها المنصة. "نتمنى إيصال تعازينا لأهل أيمن هدهود، كنا نتمنى مساعدته ولكننا لم نكن نعرف بوجوده أصلًا".

يشدد الأطباء والعاملون بمستشفى العباسية الذين تحدثت إليهم المنصة أنه بدون الالتزام بدليل الإجراءات العلاجية الصادر عن الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، وبدون التحقيق الجاد في التجاوزات التي يشهدها المستشفى في السنوات الأخيرة، فإن حالة أيمن هدهود لن تكون الأخيرة.


* تم تعديل التحقيق لتصحيح سن هدهود عند وفاته.